أخبار اقتصادية محلية

تعز.. حصار على الغذاء يصاعد أسعار السلع

وهب الدين العواضي

"البضاعة نشتريها بأسعار مرتفعة ونبيعها للزبائن بسعر أغلى والسوق ما عاده متحرك مثل السابق قبل الحرب، الغلاء فاحش على الكل، علينا نحن التجار وعلى المواطن" بهذه الكلمات يختصر رمزي عبدالكريم، أحوال السوق في ظل ارتفاع أسعار السلع الغذائية، وهو يتربع بسطته في سوق المركزي وسط مدينة تعز، التي تفترش أصناف عديدة من الخضروات والفواكه.

يضيف رمزي في حديثه بأنه أُجبر على رفع أسعار السلع الخضروات الفواكه، وبأنه يعاني من ارتفاع الأسعار كما هو الأمر مع الزبائن على حدٍ سواء، باعتبار العلاقة "طردية" بين ارتفاع الأسعار وحركة السوق التي تنخفض حينها بشكل كبير بسبب الارتفاع المهول.

يذكر رمزي بأنه يأخذ البضاعة "السلع الغذائية"، من تجار الجملة بأسعارٍ باهضه جدًا، ويضطر على بيعها للزبائن بأسعار مرتفعة أيضًا أي بنسبة أكبر، مع إضافة الأرباح وتكاليف العمل، وبالتالي يصبح أمر بيعها للزبائن واقناعهم بسعرها أمرٌ صعب، غير أن البعض قد يعزف عن شرائها، وفي بعض الأحيان يُجبر على بيعها بسعر شرائها جملة دون أرباح أو بربح ضئيل يعود عليه بخسارة أو بدون "ضَمّار" كما يصف.

حصارٌ "مُطبق"

حال رمزي يتماثل مع العديد من تجار الخضروات والفواكه في المدينة، الذين يحصلون على السلع من تجار الجملة بأسعار باهضه، ويعزو السبب في ذلك إلى الحصار المطبق على المدينة بسبب إغلاق منافذها الرئيسية الشرقية والشمالية الغربية من قِبل جماعة أنصار الله "الحوثيين" وقت اندلاع الحرب، خريف 2015، والتي تربط مركز مدينة تعز مع مدينة الحوبان والمحافظات الشمالية للبلاد، وعلى إثر ذلك اتخذ التجار طرق بديلة لنقل السلع والمُنتجات الغذائية للمدينة.

أدى الحصار المفروض على المدينة إلى توقف دخول السلع والمواد الاستهلاكية والمُنتجات الغذائية لاسيما الخضروات والفواكه التي يحصل عليها تجار المدينة بشكلٍ أساسي من العاصمة صنعاء والمحافظات الشمالية، من خلال المرور عبر مدينة الحوبان التي يربطها منفذين رئيسيين بمدينة تعز، منفذ حوض الأشراف بجولة القصر شرقًا، ومنفذ "غُراب" بخط الستين باتجاه مفرق شرعب غربًا.

 طُرق "بديلة"

يضطر التجار على اتخاذ وسلك طُرق بديلة للوصول إلى مدينة الحوبان لنقل السلع إلى مركز المدينة جراء الحصار، منها منفذ الأقروض في الريف الجنوبي الغربي للمدينة، وهي طريق ترابية ذات تضاريس وعرة للغاية، وتأخذ منهم حوالي 10 ساعات من الحوبان إلى داخل المدينة بعد أن كانوا يصلون بغضون 20 دقيقة قبل الحصار عبر منفذ حوض الأشراف الاسفلتي أو منفذ "غُراب".

هذا بالنسبة لتجار الخضروات، بينما تجار سلع الفواكه التي تورّد من خارج البلد فقد أُجبروا على شرائها من العاصمة المؤقتة عدن جنوب البلاد بعد أن كانت تأتيهم من العاصمة صنعاء، ويمرون في طُرق وعرة أيضًا وذات منحدرات ومرتفعات وهضاب شاسعة عبر سائلة هيجة البعد والمرتفعات الأخرى في محافظة لحج التي تربط محافظة تعز بعدن، وتتوزع على امتداد الطريق العديد من النقاط العسكرية والجماعات المسلحة التي تفرض جبايات وإتاوات غير رسمية على التجار.

تكاليف نقل باهضه

تلك الطرق البديلة التي لجأ إليها التجار بسبب الحصار للوصول إلى الحوبان، تعتبر بعيدة وذات مسافات طويلة عن مركز المدينة، وتأخذ منهم جهدًا أكبر وتكلفةً باهضه في عملية نقل السلع عبر الشاحنات مقارنة بالحال قبل الحرب، خصوصًا في ظل ارتفاع المشتقات النفطية بشكل مهول للغاية، إضافةً إلى الانقسام المالي الحاصل بين مناطق الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، وبالتالي تكاليف النقل تلك، ضاعفت الأسعار على حساب المواطن المُثقل كاهله.

وفي هذا الصدد، يقول تاجر جملة الخضروات، فارس محمد الحاج، أن تكاليف النقل كبيرة جدًا وتصل إلى 800 ألف ريالًا   للشاحنة الواحدة من العاصمة صنعاء أو منطقة "المَعبّر" بذمار، والحسينية بتهامة، ومن الحوبان فقط إلى مدينة تعز تكاليف النقل تصل إلى 300 ألف من ذلك المبلغ عبر المنفذ الغربي مرورًا بطريق الأقروض، فيما كان قبل الحصار لا يكلف النقل من هناك 20 ألف عند الدخول من المنافذ الرئيسية.

ويضيف، بأن سوق الجملة في الأساس كان قبل الحرب بجولة القصر على مقربة من الحوبان وكانت الشاحنة تحمل كمية كبيرة من السلع كون الخط اسفلتي وقريب لمدينة الحوبان أيضًا، لافتًا إلى أن الشاحنة في الوقت الحالي أثناء الحصار تحمل على متنها من السلع نصف كمية الشاحن قبل الحرب بسبب وعورة الطُرق البديلة.

ويتابع الحاج في حديثه، أن بقية ذلك المبلغ تذهب تكاليف نقل السلع من صنعاء وإلى الحوبان، بواقع 500 ألف، بعد أن كانت قبل الحرب لا تتجاوز 70 ألف، مشيرًا إلى أنهم يُجبروا على التعامل مع المزارعين والتجار هناك بالعملة القديمة أو الريال السعودي ويقوموا بشرائه بسعر مرتفع في مناطق الحكومة، وصرفه أو دفعه بسعر منخفض، أي يشترون الريال السعودي من مدينة تعز بسعر صرف أكثر من 300 ألفًا، ويتعاملوا به في مناطق الحوثيين بنصف ذلك السعر، أي بحوالي 150 ألفًا من العملة القديمة.

 ويشير الحاج إلى أن سعر السلة "الكوسة" مثلاً كان بمبلغ 6 ألف ريال قبل الحرب، لكن الآن سعرها 16 ألف ريال جملة، ويشتروها من بالمزارعين بحوالي 5 ألف ريال، لكن بقية ذلك المبلغ كله يذهب لتكاليف النقل والجبايات وأرباح، غير أنه قبل الحرب كانوا يضعوا ألف ريال فقط على سعر أي سلة خضروات، تشمل النقل والأرباح.

 من جهته، يقول تاجر جملة الفواكه بمدينة تعز، بسام عبدالله الوصابي، إنه يعمل على توفير هذا الصنف من السلع الغذائية الخارجية من العاصمة المؤقتة عدن بسبب الحصار بعد أن كان يأتي بها من صنعاء، وتأخذ منه تكاليف النقل مبالغ باهضه تصل إلى 600 ألف على الشاحنة الواحدة، وهو مبلغ أقل نسبيًا مقابل النقل من العاصمة صنعاء والمرور بالطُرق البديلة كتجار الخضروات، مضيفًا أنه قبل الحرب والحصار كانت تكاليف النقل لا تتجاوز مبلغ 100 ألف ريالًا.

انقسامٌ مالي

لم تكُن تكاليف النقل وحداها من تؤرق تجار الخضروات والفواكه في المدينة، بل كان للانقسام المالي الذي تعيشيه محافظات البلاد المتوزعة بين سيطرة الحوثيين والحكومة أثر بالغًا على الأسعار، إذ أضحى هناك تداولان لعملة واحدة، يتعامل الحوثيين في مناطق سيطرتهم بالنسخة أو الطبعة القديمة من العملة اليمنية فقط ويمنعون التعامل مع الطبعة الجديدة من العملة التي تتداول بها الحكومة في مناطق سيطرتها.

أنتج الانقسام المالي للعملة فارق سعر كبير في التحويلات المالية بين مناطق سيطرة الطرفين، يصل إلى 110% كرسوم تحويل عند إرسال حوالة مالية من مدينة تعز في مناطق سيطرة الحكومة إلى الحوبان أو صنعاء بمناطق سيطرة الحوثي؛ الأمر الذي أثر على التجار وضاعف من ارتفاع سعر، حيث يقول تاجر الخضروات الحاج، بأنه عندما يحول للتجار أو المزارعين مبلغ 200 ألف ريال من الطبعة الجديدة للعملة من مدينة تعز إلى الحوبان أو صنعاء لشراء السلع، تصل هناك بحوالي 90500ألف ريال بالطبعة القديمة، أي يتم خصم من الحوالة 109500 ألف ريال كرسوم تحويل.

ويتابع الحاج بأنه أيضًا يحتاج إلى تحويل الطبعة الجديدة من العملة إلى الطبعة القديمة مع خصم فارق السعر بينهما ليتمكن من التعامل بها في مناطق سيطرة الحوثيين أثناء عملية نقل السلع من العاصمة صنعاء وإلى الحوبان ثم لمركز مدينة تعز، ويكلفه ذلك مبالغ كبيرة، إذ تكلفة النقل إلى الحوبان فقط تأخذ منه 250 ألف من الطبعة القديمة من العملة لكن باعتبار أنه يبيع السلع في المدينة بالطبعة الجديدة من العملة؛ يضطر لاستبدالها بالقديم وتأخذ فارق سعر مضاعف أي يستبدلها بمبلغ 500 ألف من الطبعة الجديدة أو يقوم بشراء الريال السعودي بسعر غالي وبيعه في مناطق الحوثيين بسعر أقل يصل إلى النصف من مبلغ شرائه في مناطق الحكومة، كما أشار سابقًا.

 جبايات غير قانونية

على امتداد طريق خط تعز التربة وسائلة هيجة العبد وطور الباحة والمرتفعات الجبلية الشاهقة بمحافظة لحج التي تمر عبرها شاحنات نقل السلع إلى المدينة، تتوزع العديد من النقاط العسكرية التي غالبًا تتبع وحدات عسكرية لوزارة الدفاع والداخلية أو غالبًا جماعات مسلحة تتبع مشائخ قبلية، وتقوم بفرض مبالغ مالية كجبايات وإتاوات بشكل غير  قانوني على تلك الشاحنات مقابل مرورها.

يؤكد تاجر الفواكه الوصابي، أنه يدفع حوالي 60 ألف ريال جبايات لتلك النقاط بشكل متفرق، منذ دخول الشاحنة النطاق الجغرافي لمحافظة لحج بعد عدن وحتى الوصول إلى مركز مدينة تعز، مشيرًا إلى أنه يدفع أيضًا مبالغ أخرى لمكتب التحسين بالمحافظة بسندات رسمية عديدة يتجاوز الواحد منها، 5 ألف ريالًا.

ويوضح الوصابي أنه قبل الحرب والحصار على المدينة، حينما كان يورّد السلع من العاصمة صنعاء مرورًا بالحوبان وحتى مركز المدينة عبر المنفذ الرئيسي بحوض الأشراف، كان يدفع سندً واحدًا فقط كضريبة رسمية بحدود ألف ريالًا، وفي ذلك الوقت كانت الأسعار منخفضة ومناسبة لا يُعاني التاجر ولا الزبون.

وعلى الطرف الآخر بالنسبة لشاحنات النقل التي تمر عبر طريق الأقروض مغادرةً الحوبان باتجاه المدينة تتوزع العديد من النقاط العسكرية سواءً التابعة للحوثيين أو للقوات الحكومية في مناطق سيطرة الطرفين ومناطق التماس على امتداد الطريق، يقول تاجر الخضروات الحاج بأنه يدفع لهم جبايات بشكل متفرق مقابل مرور الشاحنة، بواقع 20 ألف ريال، فيما كان قبل الحصار يدفع ألف ريال فقط ضريبة بشكل رسمي.

ارتفاع الأسعار

تعدد الأسباب وراء ارتفاع أسعار السلع والمُنتجات الغذائية، كالانقسام المالي في البلاد والأزمات المتكررة والمتواصلة للمشتقات النفطية وارتفاع أسعارها، لكن الحصار المفروض على المدينة ولجوء التجار إلى طُرق بديلة ذات مسافات طويلة وتكاليف نقل باهضه كان السبب الأكثر تأثيرًا على الأسعار وساهم في ارتفاعها بشكل كبير، كما يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز، د.محمد قحطان.

ويقول في حديثه، إن كل تلك العوامل ساهمت في ارتفاع الأسعار في ظل استمرار الحرب والحصار على المدينة إضافةً إلى اضطراب السوق النقدية وانهيار الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية التي يتداول بها التجار، وأيضًا غياب مؤسسات الدولة والعمل على الرقابة ومواجهة النفوذ العسكري وإزالة النقاط من الطُرق والممرات والتي تفرض رسوم إجبارية وغير قانونية أو شرعية.

ويشير قحطان إلى أن استمرار ارتفاع الأسعار أدت إلى انخفاض حركة السوق وتآكل الناس وضعف قدرتهم على تلبية ما يحتاجون إليه من السلع والخدمات وبالتالي ترتفع مؤشرات الفقر والبطالة وسوء معيشة السكان بصورة حادة تصل لمستويات وصفها "بالمجاعة"، لافتًا إلى أن هذا بدوره أثر بقدر كبير على الوضع الاقتصادي والمعيشي.

ارتفاع الأسعار بشكل مهول تسبب في انخفاض حركة السوق وضعف إقبال الناس على شراء السلع مثل الخضروات والفواكه، في الوقت الذي يعيش التجار حالة من الاضطراب في محاولة الاستقرار على أسعار مناسبة وخلق توزان بين الأرباح وتكاليف النقل الباهظة.

 

" البيع والشراء معقد للدرجة كبير ومفايش حركة وطلب، أحيانًا نوقف العمل ونجيب في الأسبوع شاحنة واحدة فقط، وبالعافية نمشي البضاعة التي نوفرها، وما في فائدة كالسابق، إذا رفعنا الأسعار المواطن يشتكي ويطفح، وهذا ليس بيدنا" يقول تاجر الفواكه، الوصابي.

ويتابع، "نحاول نوازن ونفعل سعر مناسب للسلعة وبخسارة لنا وبصعوبة نوفر حق تكاليف النقل والجبايات فقط، لو قمنا برفع السعر أكثر من اللازم حال تضاعفت تكاليف النقل والشراء بشكل أكبر، هنا المواطن ماعد يشتري البضاعة، وبالتالي بضاعتنا تنتهي وتعفن بالمخازن لذا نبيع ببخس وبأرباح أقل ورمزية جدًا".

حلول ينقصها الدعم

في السنوات الأخيرة مع صعوبة الحصول على الخضروات والفواكه من المحافظات الشمالية والاعتماد على توريد الإنتاج الخارجي منها من العاصمة المؤقتة عدن جنوب البلاد، اتجه العديد من المزارعين إلى زراعة حقولهم الزراعية في مناطق ريفية متفرقة من محافظة تعز، وتمكنوا من زراعة بعض الأصناف من الخضروات كالبصل والطماطم والكوسة والبامية ومن الفواكه كالموز والفراولة، لكن حجم إنتاج هذه المحاصيل تقدر بكميات قليلة للغاية ولا تفي لاحتياجات سكان المدينة.

وفي هذا الخصوص، يقول مدير مكتب الزراعة بالمحافظة، عبدالسلام ناجي إن الأراضي الزراعية في محافظة تعز خصوبة تربتها جيدة للغاية ويُمكن استثمارها وزراعتها بالكثير من المحاصيل من الخضروات والفواكه لتغطية حجم الاحتياج في المدينة وإمكانية تخفيف كمية الاستيراد من خارج المحافظة الذي انخفض أساسًا بشكل كبير في الوقت الحالي عن النسبة قبل الحرب وارتفعت أسعارها لعدة أسباب أبرزها الحصار المفروض على المدينة وارتفاع أسعار المشتقات النفطية وتكلفة النقل.

ويضيف في حديثه، أن المزارعين في تعز هم بحاجة إلى تقديم الدعم اللازم بالمُعدات الزراعية والإمكانيات اللازمة لبدء عملية زراعية شاملة، وأيضًا والأكثر أهمية توفير المشتقات النفطية، مشيرًا إلى أن ارتفاع المشتقات النفطية يعد أكثر الأسباب التي تعيق المزارعين في عموم المحافظة.

ويؤكد ناجي بأن توسيع المساحة الزراعية في المحافظة من خلال دعم المزارعين سيعمل على زيادة حجم الإنتاج المحلي بما يساهم بشكل كبير في توفير السلع وعدم الاعتماد الكبير على توريدها من خارج المحافظة وبالتالي سيعمل ذلك الأمر على خفض الأسعار وإن كان بشكل نسبي، لافتًا إلى هناك مناطق زراعية قابلة لزراعة أصناف عديدة من الخضروات وبشكل كبير، حيث مديرية المخا تعد منطقة رئيسية لزراعة البصل وفي هذه الأيام تُصدّر منها كميات كبيرة من البصل.

التصنيف:
  • أخبار اقتصادية محلية

التعليقات